}); أوكا بوست | كبير أساقفة الإمبراطورية الرومانية - الجزء الأول - ukapost

آخر المواضيع

أوكا بوست | كبير أساقفة الإمبراطورية الرومانية - الجزء الأول


" يا معشر الروم. . . . إنه قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى اللَّه عز وجل وإني أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن أحمد عبده ورسوله"
(الأسقف صغاطر)
لعل اللَّه سبحانه وتعالى أخّر إسلام الصحابي الجليل أبي سفيان بن حرب رضي اللَّه عنه وأرضاه لينقل للإنسانية قصة عجيبة لبطل عجيب من عظماء أمة الإسلام العظماء، إنه وصغاطر هذا يا سادة -والذي لا يعرفه معظمنا- كان مجرد رجلٍ طاعنٍ في السن، لم يصم رمضان ولم يقم الليل البتة ولم يرَ الكعبة في حياته، ولكنه قدم للَّه ما هو أعظم من ذلك، لقد قدم روحه للَّه عز وجل، فلقد قال هذا الرجل -جنسًا وصفة- قولة حقٍ لم يخشَ فيها إلا اللَّه عز وجل، مجرد كلمة خلدته في سجل الشهداء، ورب كلمة يقولها المرء ترفعه في عليّين، ورب كلمة يقولها المرء تهوي به إلى أسفل سافلين، فهذا الرجل وإن كان لم ينتصر في معركة عسكرية، إلا أنه انتصر في أشرس معركة يخوضها الإنسان منّا، لقد انتصر عظيمنا على العدو رقم واحد للإنسان: النفس البشرية!

وصغاطر لم يكن متعرضًا لفتنة عظيمة فحسب، بل كانت مكانته الدينية العظمى هي الفتنة بذاتها! ولكي تدرك مدى التضحية العظيمة التي قام بها صغاطر في سبيل اللَّه، فلم يستغرق الكثير من الوقت ليقدم استقالته من أعلى وظيفة في سلم الوظائف الرومانية، بل لم يستغرق الكثير من الوقت لكي يقدم روحه الطاهرة للَّه سبحانه وتعالى، فبعد أن استطاع رسول اللَّه انتزاع صلح الحديبية من بين أنياب مشركي قريش، جاء الوقت لتنفيذ أهم مهمة ملقاة على عاتق المسلمين في كل زمان ومكان، ألا وهي مهمة التبليغ! فما أن عقد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلحَ الحديبية حتى بعث برُسله إلى مختلف أنحاء الأرض،

 وكان أحد هؤلاء الرسل هو الصحابي الجليل الجميل صاحب الوجه المشرق والذي كان أكثر البشر شبهًا بجبريل عليه السلام (دحية بن خليفة الكلبي) رضي اللَّه عنه وأرضاه، حاملًا رسالة من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلى أعظم إمبراطور على وجه الأرض: (هرقل)! وكان هرقل هو إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الشرقية "البيزنطية" التي تقاسم الفرس السيطرة على العالم القديم، وهرقل هو الاسم المختصر لاسمه الكامل (فلافيوس أغسطس هرقل) الذي حكم الإمبراطورية الرومانية منذ 610 م. وقد كان هرقل في بادئ الأمر رجل دينٍ نصراني من أصولٍ أرمينية يساعد أباه الذي كان واليًا للرومان على "تونس"، فعندما غُلبت الروم من الفرس في القصة المشهورة التي خلدها القرآن، قام أبوه البطريرق (هرقل) بتجهيز ابنه (هرقل بن هرقل) لينقذ الدولة قبل انهيارها، فقام هرقل بمهاجمة "القسطنطينية" عاصمة الروم ليزيح الإمبراطور (فوكاس) من العرش، كمحاولة أخيرة لإنقاذ الدولة الرومانية من الاجتياح الفارسي ومن الفوضى التي تعصف داخل الدولة بعد مقتل القيصر (موريس)، فأبحر هرقل من تونس صوب القسطنطينية واستولى على الحكم، ونصب نفسه قيصرًا منقذًا للدولة، ليحارب بعدها الفرس ويختصر عليهم في معركة "نينوى" سنة 627 م، ليصبح هرقل بذلك بطلًا قوميًّا ودينيًّا عند النصارى. لذلك حج هرقل إلى القدس ماشيًا على قدميه لكي يشكر ربه على الانتصار، فصادف وجوده في القدس مجيء رسول رسول اللَّه الصحابي دحية بن خليفة الكلبي، فسلمه رسالة رسول اللَّه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من محمد بن عبد اللَّه إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعوة الإسلام أسلم تسلم يؤتك اللَّه أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم جميع الآريسيِّين. قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

فوقف هرقل يتأمل هذه الرسالة العجيبة التي تأتي إلى قيصر أكبر إمبراطورية على الأرض من رجل لا يعرف عنه شيئًا في صحراء العرب، فأراد هرقل أن يتأكد من صحة ما جاء فيها، وقد كان هرقل رجلًا متدينًا يعرف من بقايا الإنجيل أن نبيًا سوف يخرج في هذا الزمان، فبعث بقادته ليجلبوا له بعض العرب ليسألهم عن هذا الرجل الذي يزعم أنه رسول اللَّه، فشاء اللَّه أن يتواجد في مدينة "غزة" الفلسطينية في هذا الوقت أبو سفيان ابن حرب ونفر من قريش للتجارة بعد أن وضعت الحرب أوزارها مع المسلمين، وفرغوا لتجارتهم في الشام، فجيئ بهم إلى بلاط القيصر ليستفسر منهم حقيقة البعثة النبوية، فأحضر هرقل الترجمان ليترجم له.

ليست هناك تعليقات