}); أوكا بوست | قاهر التتـــــــــــــــــار - ukapost

آخر المواضيع

أوكا بوست | قاهر التتـــــــــــــــــار


الإنسان المصري المسلم لم ينقذ الإسلام فحسب من خطر التتار، بل أنقذ البشرية بأسرها من شرهم! فالجيش المصري البطل هو صانع انتصار معركة "عين جالوت المجيدة"، والتي قضت على أسطورة الجيش المغولي الذي لا يُقهر، هذه المعركة الخالدة خاضها أبناء الكنانة تحت قيادة عظيم إسلامي سطر اسمه في سجل الخلود الإسلامي بكل جدارة واستحقاق، إننا تنكلم عن الملك المظفر سيف الدين قطز.

فلقد بعث اللَّه للأمة رجلًا اسمه (محمود بن ممدود الخوارزمي)، هذا الرجل عُرف في التاريخ باسم آخر هو: (سيف الدين قطز)! وقصة قطز تمثل ترجمة فعلية لقول رب العالمين: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)، فكما أن فرعون هو الذي ربى موسى في بيته لكي يدمره بعد ذلك، فإن التتار هم الذين صنعوا قطز، بل هم الذين أطلقوا عليه اسم (قطز) ويعني "الحيوان المتوحش"، وذلك بعد أن لاحظوا أنه طفل متمرد، وقطز هو ابن أخت (جلال الدين بن خوارزم شاه) ملك "المملكة الخوارزمية الإسلامية" في آسيا الوسطى، والتي كانت أول ضحايا التتار، فقد قام التتار بقتل جميع أهل قطز وإبقائه حيًا لكي يبيعوه بعد ذلك في سوق النخاسة، والمضحك في القصة أن التتار أنفسهم هم الذين نقلوه من مجاهل آسيا الوسطى إلى أرض الشام بالتحديد والتي سوف ستشهد تدمير إمبراطوريتهم على يدي نفس ذلك الطفل الذي نقلوه هم بأيديهم إلى هذه الأرض!!! فقد قام الملك الأيوبي المجاهد (نجم الدين أيوب) رحمه اللَّه بشراء قطز وغيره من العبيد ليربيهم تربية دينية وعسكرية صارمة، ليكون كتيبة ربانية مجاهدة من أعظم الكتائب التي عرفتها أمة محمد، هذه الكتيبة الخاصة عُرفت فيما بعد باسم "المماليك".

والحقيقة أن سر اختياري لقطز ليكون ضمن قائمة المائة لا ينبع لمجرد انتصاره في معركة "عين جالوت" الخالدة التي أنهت الزحف المغولي إلى الأبد، بل إن السر الحقيقي لعظمة هذا العملاق الإسلامي يتمثل في إمكانية هذا الرجل بمفرده من تغيير حال أمة بأسرها من قمة الهزيمة إلى قمة النصر، كل هذا في أحد عشر شهرًا وثلاثة عشر يومًا هي كل مدة حكم سيف الدين قطز! وهذا الذي نحاول دراسته في هذا الكتاب "كيفية بناء الأمة بعد انكسارها"، فقطز كان رجلًا واحدًا، ولكنه كان رجلًا بأمة، وعين جالوت ما هي إلا نتيجة، ولكن الأهم منها هو العمل الذي أدى لعين جالوت! ولنستمع الآن إلى رسالة الإنذار التي بعثها هولاكو لقطز قبل عين جالوت والتي حملها له أربعون سَفيرًا من وحوش التتار:

"من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائد الأعظم: باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمون بأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحن جند اللَّه في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على مَن حَلَّ به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم. قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، فأي أرض تؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟! فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفُّون عند كلام، وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلة والهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذّر من أنذر. وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقد سَلَّطَنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكبيركم عندنا قليل، وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أن تضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهًا ولا عزًا، ولا كافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم، والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى.

وما إن قرأ قطز رسالة التهديد التترية حتى قتل جميع السفراء المغول ثم علق رؤوسهم في شوارع القاهرة لكي يرفع الروح المعنوية في أوساط الشعب المصري الذي كانت تأتيه أخبار التتار المخيفة، وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 658 ه، وبشروق الشمس، أضاءت الدنيا على فجر جديد انبثق من سهل عين جالوت، فالتقى المسلمون والتتار هناك، ليقاتل قطز بنفسه بين صفوف الشعب، ليتفاجأ المسلمون بأعداد الجيش التتري الهائلة والمخيفة، وفعلًا كاد التتار أن ينتصروا بالفعل، عندها أدرك الفارس الإسلامي البطل قطز أن الإسلام هذه المرة مهددٌ كدين على وجه الأرض، فإذا سقطت مصر، سقطت آخر قلاع المسلمين في الكرة الأرضية، لتصبح بعدها مكة والمدينة تحت رحمة المغول وعملائهم من الشيعة، عند هذه اللحظة. . . توقفت ساعة الزمن عن الدوران في وجدان وكيان هذا المجاهد الإسلامي، فنزل سيف الدين قطز من على ظهر فرسه وأخذ يصيح في السماء بصوتٍ زلزل الأرض:

واإسلاماه. . . . واإسلاماه  واإسلاماه


ثم خلع الملك المظفر قطز خوذته ومرَّغ رأسه على التراب وهو يتضرع للَّه قائلًا: "يا اللَّه. . . انصر عبدك قطز على التتار! فما إن انتهى قطز من دعائه، حتى دارت رحى الحرب في صالح المسلمين، فانتصر الجيش المصري، تحت قيادة القائد التركي، على أرض فلسطين المباركة، لتعلو بذلك راية الإسلام العالمي إلى الأبد!

ليست هناك تعليقات