}); - ukapost

آخر المواضيع

يحدها البحر الأبيض المتوسط شمالًا، والبحر الأحمر شرقًا، وتفصلها الصحراء الكبرى عن باقي القارة الإفريقية، إنها المنطقة المتواجدة في أقصى شمال إفريقيا والتي يشار إليها عادة بشمال إفريقيا. تتميز هذه المنطقة بتدفق الجينات الوافدة من وإلى دول المشرق وأوروبا ودول إفريقيا جنوب الصحراء، الشيء الذي أسهم مع مرور الزمن بشكل كبير في تشكيل وتنوع الساكنة في المنطقة.
يختلف سكان شمال إفريقيا عن سكان دول جنوب الصحراء فيما يخص الهوية الثقافية واللغوية إلى جانب الصفات الوصفية، لكن المدة التي نشأ فيها هذا الاختلاف ومدى التنوع الجيني بينهم مازال مبهمًا.
حسب «Genographic Project» المنفذ من طرف National Geographic فإن الخبر الوراثي العربي ليس سائدا في شمال إفريقيا كما نعتقد، ولا في المناطق المغاربية المجاورة للقارة الأوروبية،فالساكنة التونسية على سبيل المثال لا تملك سوى %4 من الخبر الوراثي «العربي» مقابل %88 من الخبر الوراثي «شمال الإفريقي» المتكون أساسا من الخبر الوراثي الخاص بالساكنة الأمازيغية، بينما تحمل الساكنة المصرية %17 من الخبر الوراثي «العربي»، و%68 من مورثات «شمال إفريقيا».
بينما أغلبية المغاربيين يُنسبون إلى العرب، مجموعة من الدراسات العلمية والأوراق البحثية المنشورة مؤخرًا بينت أن سكان هذه المنطقة هم أقرب وراثيا إلى الأمازيغ وبعض الأوروبيين على عكس ما هو مسلّم به. فحسب دراسة فريق بحث تونسي، فإن التونسيين متصلون بأمازيغ شمال إفريقيا وأوروبا الشرقية، خاصة الساكنة الإيبيرية، وأن التونسيون، والجزائريون والمغاربة هم أقرب للأمازيغ من عرب المشرق (الفلسطينيون، الأردنيون واللبنانيون(.
من جهة أخرى يعدّ المغرب منطقة مناسبة للدراسات المتعلقة بوراثة الساكنة وظواهر الهجرة والتدفق الجيني بفضل موقعه الإستراتيجي. فهو يقع شمال غرب إفريقيا ويحده البحر الأبيض المتوسط شمالًا، والمحيط الأطلنطي غربا، كما يقع على بعد 14 كم فقط من إسبانيا عبر مضيق جبل طارق، ما يجعله المنطقة المفضلة لدى سكان شمال إفريقيا للهجرة إلى أوروبا بحثًا عن العمل وتحسين مستوى العيش. كما يتميز المغرب باختلاف كبير في الساكنة حيث يتحدث المغاربة ما مجموعه 13 لهجة مختلفة مشتقة من اللغة الأمازيغية. وكما هو الشأن بالنسبة للساكنة التونسية، تشير نتائج الأبحاث العلمية إلى أن جينات المغاربة أكثر شبها بسكان شمال إفريقيا، وبذلك فهم يشتركون معهم في سلف أمازيغي الأصل، وهذا يوضح ان أصلهم الوراثي من شمال إفريقيا.

كيف عُربت ساكنة شمال إفريقيا؟

على الرغم من تحديد هويتهم الذاتية على أساس لغتهم المشتركة، للساكنة الأمازيغية في شمال إفريقيا تاريخ معقد حافل بالغزوات العربية والفتوحات الإسلامية التي انبثقت من شبه الجزيرة العربية. الاجتياح الاول بدأ سنة 647 ميلادىة، وشمل مجندين من المدينة المنورة (المملكة العربية السعودية) وممفيس (مصر). استهدف هذا الغزو الكنائس البيزنطية في إفريقيا مما أدى إلى انهزام الإمبراطورية البيزنطية آنذاك وخضوعها لنفوذ الإمبراطورية الإسلامية. الموجة الثانية من الغزو العربي كانت في القرن الحادي عشر، وشملت القبائل البدوية المجنّدة من مناطق نجد والحجاز في المملكة العربية السعودية.
الفاتحون العرب المسلمون نهجوا سياسة اعتماد اللغة العربية في غزواتهم حتى يتمكنوا من نشر قيمهم الثقافية والإسلامية، وهذا ما يفسر مساهمة العرب الذين اجتاحوا المنطقة آنذاك في التدفق الوراثي وتعريب الساكنة، لكن المغرب لا يزال يعتمد حاليا اللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية، لغة وطنية للمملكة المغربية. ورغم أن حوالي نصف سكان شمال إفريقيا حاليا يتحدثون إحدى اللهجات الأمازيغية، يصعب التمييز بين أمازيغي، وأمازيغي مستعرب، وعربي في المنطقة.
من خلال نتائج الدراسات المذكورة أعلاه، يتضح أن أثر هذه الفتوحات العربية بين القرن السابع والقرن الحادي عشر ميلادي كان ضئيلا على مستوى الحمض النووي والمورثات فى شمال إفريقيا حيث أن ساكنة شمال إفريقيا ما زالت تحتفظ بمورثات أسلافها الأمازيغ. 
مقال للكاتبة ندى فتح

ليست هناك تعليقات